اخترنا لكم

جديد الأزمة الليبية


فيما يحاول الليبيون الخروج من أزمة متحكمة بالوضع السياسي هناك منذ سنوات، لا تزال بعض التطورات تجعل استقرار ليبيا أكثر صعوبة.

فعلى نحو غير متوقع، تم تسليم أبو عجيلة مسعود المريمي، أحد المتهمين في قضية لوكيربي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد اعتقاله من منزله في طرابلس منذ 17 نوفمبر الماضي.

وتضيف هذه العملية مسارا جديدا إلى الأزمة الليبية المُتخمة بالمسارات الأمنية والسياسية والاجتماعية، وهو المسار القانوني للعلاقة بين القوى الليبية المتنفذة على الأرض، والدول الكبرى.

فبموجب اتفاق ثنائي، دفعت ليبيا تعويضات كبيرة، والتزمت الولايات المتحدة إغلاق ملف قضية لوكيربي سياسيا وقانونيا، وذلك في عام 2008.

وبالتالي هناك غموض في التكييف القانوني لعملية التوقيف، التي كانت أقرب إلى الاختطاف، ما سيجعل منها جبهة جديدة تضاف إلى جبهات الأزمة الليبية المفتوحة في اتجاهات مختلفة.

ورغم أن قضية تسليم أحد المطلوبين في القضية، “التي أغلقت بالفعل”، ليست ذات صلة مباشرة بالخلافات التي تسود الساحة الليبية ومكوناتها، باتت هذه الخطوة موضعا لتبادل الاتهامات بدوافع قبلية وسياسية.. حيث التركيبة الديمغرافية والانتماءات القبلية في ليبيا شديدة الحساسية لأي تصرفات تمسها، ولو بشكل غير متعمد.

ما يزيد التعقيد في الوقت الراهن أن تسليم “أبو عجيلة” إلى الولايات المتحدة سينعكس بالضرورة على مواقف واشنطن وموقعها من الأزمة الليبية ككل.. فواشنطن لاعب رئيس في ليبيا، وانخرطت مباشرة في الوضع الميداني والتطورات هناك منذ عام 2011، والتدخل العسكري المباشر الذي قام به حلف الناتو كان بقيادة أمريكية.. لكن واشنطن تراجعت قليلا إلى الوراء في التحركات والتفاعلات الدولية المتعلقة بليبيا.. وذلك لسببين:

الأول: هو حادثة مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز في القنصلية الأمريكية ببنغازي في 11 سبتمبر 2012.

والسبب الثاني: هو اتجاه البوصلة الاستراتيجية الأمريكية شرقا والنأي التدريجي عن الانغماس المباشر في قضايا منطقة الشرق الأوسط.

ولا شك أن واقعة تسليم “أبو عجيلة” ستُعيد واشنطن إلى واجهة التفاعلات الليبية مُجددًا.. وما لم يتم التوصل سريعا إلى تفاهم ما حول تلك الخطوة وكيفية تطويق تداعياتها، خاصة بين القوى الداخلية الليبية، فربما تتحول واشنطن بسببها إلى هدف للتصويب بواسطة القوى والمجموعات التي لا تريد لليبيا استقرارا قريبا، والتي ترى في أي مؤشرات تسوية أو حلول سياسية للفراغ القائم حاليا، خصما من مكاسبها الإقليمية وتقليصا لنفوذها في الداخل الليبي.

قد تبدو كل هذه الملابسات أقل أهمية مقارنة بالمسائل الأهم في الوضع الليبي الراهن، وهي مصير العملية السياسية واحتمالات تنفيذ الاتفاقات السابقة والتفاهمات المستجدة الرامية إلى الشروع فعليا في مراحل الانتقال نحو دولة مؤسسات ذات سيادة وموحدة إقليميا وسياسيا.. فضلا عن نفوذ المليشيات المسلحة وبعض الفصائل الإرهابية في الغرب الليبي.

لكن تلك القضايا، “التي تبدو أقل أهمية”، تؤثر في مجمل المشهد الليبي.. وأحيانا يكون بعضها مقصودًا لتعطيل سير التفاهمات السياسية، فكلما اقتربت محاولات التسوية من إحداث تقدم، تبرز فجأة مثل هذه المستجدات، رغم هامشيّتها، وتقدم ذريعة لتأجيل توافقات أو تعطيل تفاهمات استغرقت جولات عديدة من التفاوض حولها.. بدءًا من اتفاق “الصخيرات” عام 2015، والذي لم ينفذ كاملا بعدُ، مرورًا بسلسلة مؤتمرات “برلين”.

هذا الأمر ينطبق بدقة على الموقف الحالي، حيث جاءت واقعة تسليم “أبو عجيلة” لواشنطن وسط تحضيرات جارية لحوار جديد بين القوى الليبية، يُفترض أن ينعقد من 8 إلى 12 يناير المقبل بتنسيق بين المجالس الليبية الثلاثة “الأعلى للدولة والرئاسي والنواب”.. وبالتالي يبقى المشهد الليبي مفتوحا في الأيام المقبلة على الاحتمالات كافة، سواء بالتهدئة والتقارب أو بمزيد من الصعوبات والصدامات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى