اخترنا لكم

سوريا.. الملف المتروك


يعج شمال سوريا بمليشيات تحاول عبثا إلقاء مسؤولية الجرائم على بعضها، لتندلع بعدها اشتباكات عنيفة تمتد من “عفرين” غربًا إلى جرابلس شرقًا.

وفجأة يأتي المُعطى الأهم، وتتدخل “جبهة النصرة”، المصنفة إرهابية، في محاولة منها للوقوف ضد أي مليشيا أخرى، فتكون هناك حصيلة من القتلى والمصابين بالعشرات في كل حدث أو جريمة، فضلا عن نازحين ومشردين بالآلاف، فيما يدفع فاتورة هذا النوع من الاقتتال الأهالي والمدنيون الذين لا ذنب لهم.

وبما أن العالم لا يراقب ولا يشاهد ولا يهتم، كون الملف السوري طيّ النسيان، فإن الحقيقة أبعد وأخطر، فالصراع في الشمال السوري بين المسلحين صراع على المال والنفوذ والتجارة، وبالتالي من الضروري الخوض قليلا في غمار تفاصيل مهمة تستحق أن يتم التركيز عليها.

أولا: لقد سارعت القوى الطامعة في سوريا سابقا إلى الاستيلاء على مناطق بسوريا لاعتبارات أنها “سوريا الغنية والمفيدة”، فتبين أن المناطق الصحراوية والشمالية هي الأفضل والأغنى، حيث بنى الأمريكيون قواعدهم، وحيث يوجد النفط والغاز والقمح، وعلى الأغلب فتلك المناطق محجوزة للأمريكيين منذ زمان، وقد حان وقت قطافها.

ثانيا: أساس الصراع في الشمال السوري بين المليشيات كما أسلفتُ ليس الإنسان ولا الدين أو الوطن، كما أن أساس الصراع ليس عسكريا، بل السبب شركتان محتكرتان للنفط والمحروقات. الأولى شركة تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، والثانية تابعة لزعيم “جبهة النصرة” الإرهابي، وبالمحصلة فالصراع بين تنظيمَي الإخوان و”القاعدة” الإرهابيَّيْن على ذلك.

ثالثا: لقد سيطرت “جبهة النصرة” مؤخرًا على معبر “الحمران” الاستراتيجي، وهو معبر تأتي من خلاله صهاريج النفط، وتُدفع للجبهة رسوم مرور طائلة تدخل في جيوب “القاعدة” و”الإخوان”.

رابعا: المدنيون السوريون الموجودون في إدلب وريفها أو الشمال السوري، هم الضحية المباشرة لأي جريمة أو اقتتال بهذه المناطق، ففي السلم المؤقت تستبيح المليشيات أموالهم وأرزاقهم عبر الإتاوات، وفي الحرب تستبيح المليشيات أرواحهم، ولسان حالهم العجز والفرار من خطر إلى خطر كالمُستجير من الرمضاء بالنار.

خامسا: تركيا تفكر بإيجاد قيادة واحدة قوية تسيطر على المناطق، التي توجد بها في غرب نهر الفرات وشرقه، وقد بدأت تتوجه إلى إقرار وضع في شمال سوريا شبيه بالتسوية في جنوبها، إذ إن هدفها الرئيس الآن هو تأمين عودة اللاجئين السوريين وتحقيق قفزة في هذا الملف، الذي بات ورقة مؤرقة اجتماعيا، فضلاً عن تحوله إلى عنصر ضغط في يد المعارضة التركية، قبل نحو أشهر من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

الخلاصة أن المعيار الأساس للمشهد السوري خاضع لتبدل الأولويات، وبالتالي فالملف ليس فقط متروكًا، بل ليس على جدول اجتماعات قادة العالم، ومن المنتظر أن تعيش سوريا على وقع هذا التصعيد بين الحين والآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى