سياسة

هل تسعى واشنطن إلى صراع مع طهران؟


ضربات أمريكية جوية “دقيقة” أعقبت هجوما بطائرة مسيرة يشتبه بأنها إيرانية المنشأ، دق ناقوس الخطر من احتمالية نشوب صراع بين طهران وواشنطن.

خطر ازدادت وتيرته خلال الساعات القليلة الماضية، مع ارتفاع منسوب التوتر في سوريا بين أمريكا والمجموعات العسكرية المدعومة من إيران، وتبادل الضربات العسكرية بين الجهتين، إلا أن رسائل أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن، هدأت المخاوف قليلا، وإن كانت لم تنزع فتيل الأزمة.

فماذا حدث؟

مساء الخميس استهدف هجوم بطائرة مسيّرة، “منشأة صيانة في قاعدة لقوات التحالف قرب الحسكة في شمال شرق سوريا”، ما أدّى الى مقتل “متعاقد أمريكي، وإصابة خمسة عسكريين أمريكيين ومقاول أمريكي آخَر”، فيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أنّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية تعتبر الطائرة بدون طيار “إيرانية المنشأ”.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة “فرانس برس”، إنّ “مجموعات موالية لطهران، متمركزة قرب مدينة الميادين، أطلقت ثلاثة صواريخ صباح الجمعة، سقط اثنان منها في حرم حقل العمر، من دون أضرار، فيما سقط الثالث على منزل مدني” قرب الحقل الذي يضم قاعدة للقوات الأمريكية التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”.

وأكد المتحدث باسم القيادة العسكرية الأمريكية للشرق الأوسط (سينتكوم) الميجور جون مور الهجوم، مضيفًا: “يمكننا أن نؤكد وقوع هجوم صاروخي على المنطقة الخضراء (التسمية المستخدمة لحقل العمر) في سوريا”.

ولاحقاً، أفادت الكابتن أبيغيل هاموك، وهي متحدثة أخرى باسم القيادة المركزية الأمريكية، بأنّ “عشرة صواريخ أطلقت… في حوالي الساعة 8,05 صباحاً (06,05 ت غ) في سوريا”، مضيفة أن الصاروخ الذي أصاب المنزل سقط على بعد خمسة كيلومترات تقريباً من القاعدة، “متسببًا بأضرار جسيمة وبإصابة امرأتين وطفلين بجروح طفيفة”.

من جانبها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، حليفة الولايات المتحدة، أنّ مدنيين أصيبا في القصف الصاروخي.

وبعد ساعات كان الرد الأمريكي حاضرًا على الطاولة؛ فوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قال إنّه بتوجيهات من الرئيس جو بايدن أذن “لقوات القيادة المركزية الأمريكية بشنّ ضربات جوية دقيقة الليلة في شرق سوريا ضد منشآت تستخدمها مجموعات تابعة للحرس الثوري الإيراني”، مما أدى إلى مقتل 14 مقاتلاً موالين لإيران جراء الضربات الجوية “الدقيقة”.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الضربات الأمريكية، طالت مواقع عدّة في شرق سوريا، أبرزها مستودع أسلحة لمجموعات موالية لإيران داخل مدينة دير الزور، مما أدّى الى تدميره بالكامل ومقتل ستة من عناصرها.

المرصد أكد أن القصف استهدف مواقع في بادية مدينة الميادين وريف البوكمال، مما أدى إلى مقتل ثمانية مقاتلين موالين لطهران.

هل تسعى أمريكا لصراع مع إيران؟

يقول الرئيس الأمريكي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الجمعة إنّ “الولايات المتّحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران”.

وأضاف بايدن: “لا تخطئنّ الظنّ، الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنّها مستعدّة للعمل بقوة لحماية شعبها”.

الأمر نفسه أشارت إليه وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الجمعة، التي قالت إن بلادها لا تسعى للتصعيد مع إيران لكنها “سترد بسرعة” إذا تعرض الأمريكيون للتهديد.

وفي تصريحات نشرتها شبكة “سي إن إن” الأمريكية”، قال المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر، إن الولايات المتحدة “لا تسعى لتصعيد الموقف مع إيران”، إلا أنه قال إن واشنطن “سترد بسرعة وحسم إذا تعرضت سلامة الأمريكيين للتهديد”.

وأضاف: “الضربات التي قمنا بها الليلة الماضية كانت تهدف إلى توجيه رسالة واضحة للغاية، مفادها أننا سنأخذ حماية أفرادنا على محمل الجد، وسنرد بسرعة وحسم إذا تعرضوا للتهديد”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تعتقد أن الهجوم على قاعدة القرية الخضراء في سوريا قام به وكلاء مرتبطون بـ”الحرس الثوري” الإيراني ردا على الضربة الأمريكية الأخيرة.

وفيما قال إن الهجوم على قاعدة القرية الخضراء “لم يتسبب في أي ضرر” لكنه لم يؤكد ما إذا كان هذا الهجوم سيؤدي إلى ضربة انتقامية أمريكية أخرى، مضيفًا: “لن أتحدث عن العمليات المستقبلية المحتملة أو استعرضها، بخلاف القول إننا سنحتفظ دائمًا بالحق في الرد بشكل مناسب إذا تعرضت قواتنا للتهديد”.

رداً على الهجوم

جاءت الضربات الأمريكية، وفق أوستن، “رداً على هجوم أمس وسلسلة من الهجمات الأخيرة ضد قوات التحالف في سوريا من جانب مجموعات تابعة للحرس الثوري”، مضيفًا: “كما أوضح الرئيس بايدن، سنتخذ كل الإجراءات اللازمة للدفاع عن شعبنا وسنرد دائمًا في الوقت والمكان اللذين نختارهما”.

وعولج اثنان من العسكريين الأمريكيين الخميس في الموقع بينما تم على الفور إجلاء الجنود الثلاثة الآخرين والمقاول الأمريكي الآخَر إلى العراق، بحسب البنتاغون.

ويقدّر المرصد وجود نحو 15 ألف مقاتل من المجموعات العراقية والأفغانية والباكستانية الموالية لإيران في محافظة دير الزور الغنية بالنفط، تحديداً في المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال الحدودية مع العراق ودير الزور مروراً بالميادين.

وتعدّ المنطقة الحدودية طريقاً مهماً للكتائب العراقية ولحزب الله اللبناني كما المجموعات الأخرى الموالية لإيران، لنقل الأسلحة والمقاتلين. وتستخدم أيضاً لنقل البضائع على أنواعها بين العراق وسوريا، إلا أنه غالباً ما يتم استهدافها بغارات يتبنى التحالف عدداً منها.

وتقود واشنطن التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، وينتشر 900 جندي أمريكي ضمن قوات التحالف في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، وهم موجودون في قواعد عدة في محافظة الحسكة (شمال شرق) والرقة (شمال) ودير الزور (شرق).

وتشكل واشنطن الداعم الرئيس لقوات سوريا الديمقراطية، وعمودها الفقري الوحدات الكردية التي قادت معارك على جبهات عدّة ضد تنظيم “داعش” وأعلنت في مارس/آذار 2019 دحره من آخر معاقله.

التصعيد ليس الأول

وتتعرّض قواعد للتحالف والقوات الأمريكية بشكل دائم لاستهداف عبر طائرات مسيّرة وبصواريخ، تقف خلفها مجموعات موالية لطهران حينا وخلايا تابعة لتنظيم “داعش” حينا آخر.

وسبق للولايات المتحدة أن استهدفت مواقع تابعة لمجموعات موالية لطهران؛ ففي أغسطس/آب الماضي، أمر بايدن بشن ضربات انتقامية مماثلة في محافظة دير الزور بعدما استهدفت طائرات مسيّرة عدة موقعًا لقوات التحالف من دون أن تتسبب في أي إصابات.

جاء الهجوم في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه وسائل إعلام رسمية إيرانية مقتل جنرال في الحرس الثوري قبل أيام “خلال مهمة في سوريا بوصفه مستشارا عسكريا”.

وفي الأعوام الأخيرة، فقد الحرس الكثير من كوادره في المعارك ضد “الإرهاب” في سوريا والعراق، حيث أكدت إيران حضورها الميداني بدور “استشاري”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى