اخترنا لكم

خارطة الإدارة الأمريكية.. فهم البناء الاستراتيجي

د.علي الخشيبان


منذ قدوم الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض كثرت التكهنات حول أولئك الأشخاص الذين سوف يستعين بهم من أجل تنفيذ مهامه كرئيس لأمريكا.

وعندما وضع أولئك المساعدين كل في مكانه من حيث المواقع الإدارية التي يشغلونها، أصبح من السهل قراءة الخارطة الاستراتيجية لفريق الرئيس الأمريكي، وقد كان الهيكل العام لهذه الخارطة قد اتضحت معالمه الأولية مع اختيار كامالا هاريس لتتولى منصب نائب الرئيس، وهي بذلك المنصب أصبحت أول امرأة تتولى المنصب، بالإضافة إلى كونها تأتي من أصول مختلطة من والدين؛ أحدهما من الهند والآخر من جاميكا.

هذه المرجعية العرقية أصبحت جزءاً من حروبها السياسية التي خاضتها قبل وصولها إلى البيت الأبيض كعضو في الكونجرس عن ولاية كاليفورنيا، ولعبت دوراً كبيراً في رسم توجهاته، وقد قالت بالحرف الواحد “إن هويتها تجعلها مناسبة بشكل فريد لتمثيل المهمشين”، هذه المرجعية شكلت هوية نائبة الرئيس التي دارت معاركها أثناء وجودها في الكونجرس في قضايا داخلية ولم تكن ذات آراء سياسية حادة في الشؤون الخارجية كونها تواجه الكثير من العقبات نتيجة لمرجعتيها غير البيضاء، اليوم تصل هاريس إلى موقع مؤثر، ولكنها سوف تظل تحت غطاء رئيس أبيض، لذلك يصعب التكهن بمشاركتها الفاعلة في السياسة الخارجية الأمريكية.

الرجل الثاني في هذه الخارطة هو وزير الخارجية أنتوني بلينكن وهو مؤمن وبشكل كبير بالأهمية السياسية لترسيخ علاقة أمريكية أوروبية، ويرى أن الدبلوماسية يجب أن تترافق بقوة ردع وأن “القوة يمكن أن تكون عنصراً مساعداً وضرورياً للدبلوماسية الفعالة”، بلينكن متمسك شرس بالقيم الأمريكية، ويرى أن أمريكا يجب أن تسخر قوتها من أجل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويرى أن أمريكا ارتكبت خطأ فادحاً بعدم تدخلها في سوريا في عهد الرئيس أوباما عندما كان بلينكن ضمن فريق أوباما السياسي، وهو مؤمن بضرورة إحداث مرحلة انتقالية في سوريا، وهذا ما قد يفسر المواجهة المبكرة بين أمريكا وروسيا التي تحدث الآن.

 وزير الدفاع لويد أوستن كاثوليكي كان المسؤول عن قيادة المنطقة الوسطى للقوات الأمريكية في العراق 2010، وهو شخصية هادئة قليلة الكلام، وكان صديقاً مقرباً لأحد أبناء بايدن ويحضر معه وبشكل أسبوعي صلاة الأحد في الكنيسة، يتشارك مع بايدن نفس الأفكار حول مدى سلامة التدخلات الأمريكية المتسلسلة في الشرق الأوسط، وتتلخص أفكار أوستن برغبته الدائمة في التخفيف من الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، إلا في مجالات محدودة ومركزة. روبرت مالي رئيس الملف الإيراني يحمل توجهاً أيديولوجياً تجاه القضايا السياسية وحقوق الإنسان، هو من أصول مصرية، عاش والده الذي تنحدر أصوله من الجالية اليهودية في مصر أيام حكم جمال عبد الناصر، له حساسية خاصة تجاه حقوق الأقليات والديمقراطية في الشرق الأوسط، تفرضها عليه تجربة والده الذي كان مراسلاً لجريدة “الجمهورية” المصرية في نيويورك قبل أن يتم الاستغناء عنه.

جيك سوليفان مستشار الأمن القومي، من أهم إنجازاته في مسيرته السياسية هو الاتفاق النووي الإيراني الذي تم توقيعه في عهد الرئيس أوباما، قبل أن ينسحب منه الرئيس ترامب، ويعتبر سوليفان المفاوض الأول في المحادثات التي هيأت الطريق للاتفاق النووي الإيراني، وهو من المؤيدين لهذا الاتفاق، لذلك يعتبر أن الرئيس ترامب ارتكب خطأ في الانسحاب من الاتفاق النووي، وقد قال بالحرف الواحد إن الرئيس ترامب ووزير خارجيته “قيدا أيديهما في الملف الإيراني”، ويرى أن مطالبات الرئيس ترامب من إيران كانت “غير واقعية وغير معقولة”.

هذه الشخصيات الثلاث ترسم بوضوح الخارطة الاستراتيجية لفريق الرئيس بايدن، ومع أنها قد تبدو متفقة في التوجهات فإن درجة التطابق الكامل بين هذه الشخصيات يصعب إثباتها، ولذلك فإن إدارة الرئيس بايدن سوف تتميز بسياسات يصعب التنبؤ بتكاملها الاستراتيجي، كنتيجة للخلفيات التي يأتي منها أعضاء هذه الإدارة، فالخارطة الاستراتيجية في إدارة بايدن تتشكل وبوضوح من حدود أيديولوجية صارمة بين فئاتها، وهذا ما قد تعاني منه هذه الإدارة عندما تضطر إلى العمل كفريق موحد تجاه قضية محددة، ومن الواضح أن قضية الاتفاق النووي الإيراني قد تثبت هذه النظرية، وقد تشهد إدارة بايدن بعض التغييرات مستقبلاً في أعضائها للحصول على مزيد من التجانس الأيديولوجي في الاتجاهات السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى